نافذتك على الأخبار العالمية والمحلية

عظمة الماضي خلدها التاريخ

193

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

كتبت … د/سماح عزازي

لم يكشف الغطاء عن عظمة الحضارة الفرعونية حتى سنة 1822م عندما اعلن العالم شمبليون انه تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة وان بنية الكلمة المصرية لا تقوم علي الابجدية فقط ولكنها تقوم علي علامات تعطي معني لكلمة واحده و اخري لاثنين و اخري لثلاثة و تاريخ فك رموز اللغة الهيروغليفية الذى فك كثيرا من غموضها و أتاح للعالم أن يكتشف حضارة عظيمة ، و من بعدها بدأ علم المصريات الذى آثار شغف و ولع كثير من المتخصصين المهتمين ليكشفوا كل ما خبأته هذه الحضارة العظيمة على جدران هياكلها و معابدها و مقابرها ، و على رغم روعة الآثار الفرعونية جميعها و التى تشهد بحضارة راقية و مبدعة و متقدمة إلا أن منها ما يقف فى أول صفوف العظماء رافعا هامته بكبرياء مرتديا تاج العز و الشرف و الفخر

و تأتى الأهرامات المصرية و معها تمثال أبو الهول

لتتقدم صف الحضارة الفرعونية العظيمة ، و كان قدماء المصريين تشغلهم فكرة الخلود و البعث بعد الموت ، لذا كان لدى بناة الأهرامات إعتقادا بأن روح الملك الميت تغادر جسده كل شروق ثم تعود لتحل بالجسد ثانية مع كل غروب لتبعث فى هذا الجسد التجديد و الحياة إستعداد ليوم البعث و بنيت الأهرامات كمقابر يدفن فيها الملك و معه أثمن و أحب الأشياء إليه كما كانت هى عادت كل المصريين فى دفن موتاهم .

و إتخذوا الشكل الهرمى تقليدا لأشعة الشمس وقت شروقها ، و تحتوى مصر على أكثر من 100 هرم لملوك و ملكات و أمراء و تختلف فى أشكالها و أحجامها رغم إختلاف أماكنها بطول البلاد من الجنوب حتى الدلتا ،

و رغم أن البداية كانت فى عصر الأسرة الأولى على شكل مصاطب ثم أصبحت المصطبة عدة مطاطب متدرجة و هو ما عرف بهرم زوسر أو سقارة المدرج ، و الذى تطور شكله فى عصر الأسرة الرابعة مع أول ملوكها الملك سنفرو فكان الهرم الجنوبى بمنطقة دهشور ، ثم جاء من بعده الملك خوفو فكان فى عصر الشكل المعمارى الرائع للأهرام و كان هو صاحب الهرم الأكبر ، الهرم المعجز و المبهر إلى الآن و قد تلاه ملوك أخرون بأهرامات أخرى لكن تقف أهرامات الجيزة الثلاثة ( خوفو و خفرع و منقرع ) و معهم تمثال أبو الهول فى موقف العظمة و الشموخ و الإبهار حد الإعجاز و الذهول و الدهشة .

– هرم خوفو .. الهرم الأكبر

بناه الملك خوفو ثانى ملوك الأسرة الرابعة ليكون مقبرة له ، و تقول بردية ” متحف تورين بإيطاليا ” أنه حكم 23 سنة فقط ، و الذى أصبح ولا يزال إحدى عجائب الدنيا السبعة الباقية عبر كل العصور ، و تروى حوله أساطير و خرافات كثيرة ، و لكنه يقف شامخا طاويا سره الأعظم عن العالمين فى تحدى لم تدركه البشرية حتى هذه اللحظة ، هو أسطورة يموج سرها فى بحار من الخيال و الإبهار و الغموض فى بهاء و جلال و شموخ .

و أكثر ما يحير العلماء هو عدم العثور على آثار للملك ” خوفو ” نفسه فلم يعثر له سوى تمثال عاجى صغير الحجم طوله 7.5 سم و لم يعثر له على تماثيل كبيرة الحجم حتى هذه اللحظة ، و لكن يبقى له أعظم ما ترك من آثار ، و أعظم بناء قام به إنسان منذ بدء الخليقة ، بناء ساحر و غامض و أسطورى بكل المقايسس يعجز العقل البشرى عن إدراك سره و الغوص فى غموضه فيقف عاجزا و مشدوها ، و قد حاول البعض تشويه هذا البناء الإنسانى المعجز بأنه تم بناءه بالسخرة و الإستعبادو التعذيب للشعب كما روج آخرون أنهم أسرى حروب و كلها تخمينات الغرض منها تشوية عظمة البناء و دقه مصمميه و روعة النشييد حد المعجزة فهل يصنع العبيد أعمالا معجزة و هل أسرى الحروب يعملون بكل هذه الجماعية و بكل تلك الروح و العزيمة و بكل هذا الإنتظام و الدقة و الروعة .. لأ أظن هذا ، فالشموخ من سيم الأحرار الذين يصنعون أوطانا متقدمة يعجز عن بنائها العبيد ، و قد كشف حديثا عن مقابر للعمال و المهندسين و الفنيين الذين عملوا فى بناء الأهرامات و هى على شكل مصاطب دائرية و مقببة ، فهل الملك المستعبد لرعيته يهتم ببناء مقابر لمن إستعبدهم ؟ ، و قد سجلت أسماء فرق العمال التى قامت ببناء الهرم على أحجار متفرقة من جوانب الهرم ، فهل يذكر الموك أسماء عبيدهم على أسماء تخلد ذكراهم و تمجد أعمالهم ؟ .

يقع الهرم الأكبر فوق هضبة مرتفعة تسمى الآن هضبة الأهرام حتى تكون الأهرامات بعيدة عن فيضان النهر كما أنها منطقة جافة تحفظ الاجساد لزمن طويل و على الشاطئ الغربى للنهر بإعتبار الغرب هو إشارة للموت عند قدماء المصريين لذا كانت مدنهم و معابدهم فى شرق النهر ، و يقع الهرم الأكبر فى منطقة مساحتها 54,600 مترا مسطحا ( 13 فدان ) ، و يتشكل من قاعدة مربعة طول ضلعها الآن 227 مترا ( 230 مترا مع الكسوة الخارجية ) ، و إرتفاعه الآن 137 مترا ( 146 مترا مع الكسوة الخارجية ) ، و زاوية ميل جوانب الهرم على القاعدة 51° 50′ 40 ، و يقدر عدد أحجاره بحوالى 2,300,000 كتلة حجرية ، متوسط وزنها 3 طن و تصل أوزان بعض حجارة الهرم إلى 55 طنا و يزيد ، يتكون قلب الهرم من كتل ضخمة من الحجر الجيري من الهضبة نفسها ، بينما أستخدم حجر جيرى ناصع البياض فى الكسوة الخارجية تم جلبه من الجانب الشرقى لنهر النيل من محاجر طرة ، أما أحجار الجرانيت فقد جلبت من أسوان ، و يبلغ إجمالى وزن الهرم الأكبر أكثر من 6.5 مليون طن ، و إستغرق بناؤه 20 عاما .

كان للهرم بابان فى الجهة الشمالية ( البحرية ) ، أحدهما يعتلى الآخر بقليل و يوصلان معا لغرفة الدفن ، و كان أمامهما خارج الهرم حجرات صغيرة للعبادة ، يقع المدخل الأصلي للهرم فى منتصف الواجهة الشمالية على ارتفاع 17 متراً من قاعدة الهرم ، و للمدخل سقف جمالوني مشيد بكتل ضخمة من الحجر الجيري ، يؤدى هذا المدخل إلى دهليز منحدر ، ثم يستمر بعده فى مستوى أفقي حتى يؤدى فى نهايته إلى غرفة الدفن الأولى و التي لم تكتمل لتعديل تصميم الهرم ، و يؤدى هذا الدهليز إلى دهليز أفقى آخر يؤدى إلى غرفة الدفن الثانية ( غرفة الملكة ) المشيدة من الحجر الجيرى و لها سقف جمالونى و بها فتحتان صغيرتان فى الجدارين الشمالى و الجنوبى بغرض التهوية ، و من نقطة تقاطع الدهليزان الصاعد و الأفقى يوجد دهليز صاعد آخر ( البهو الأعظم ) ينتهى هذا الدهليز الصاعد بدهليز أفقى من الجرانيت و به ثلاثة فتحات يؤدى إلى البهو الأعظم و هو غرفة الدفن الثالثة المشيدة من الجرانيت الوردى و هى غرفة دفن الملك و بها تابوت من الجرانيت بلا غطاء و بالغرفة فتحتان للتهوية و يعلو غرفة دفن الملك خمس غرفات إرتفاع كل منا مترا واحدا فقط و سقف كل منها كتلة مسطحة من الجرانيت عدا الغرفة الخامسة ذات سقف جمالونى مختلف و الغرف الخمسة هى غرف تخفيف الضغط على غرفة دفن الملك ، أما المدخل الحالى المستخدم الذى يقع أسفل المدخل الأصلى بحوالى 10 أمتار فقد تم فى عصر الخليفة المأمون الذى يتقاطع بعد 36 مترا مع دهليز الهرم الداخلى .

و كان للهرم معبدا جنائزيا رائعا أمام الواجهة الشرقية للهرم الأكبر كانت تؤدى فيه الشعائر ، لكنه إختفى و لم يعثر منه إلا على بعض أجزاء من أرضيته البازلتية السوداء المقامة على أساس من الحجر الجيرى ، و بعض أجزاء صغيرة من أعمدة جرانيتية حمراء كانت ترفع سقف هذا المعبد ، و كانت جدرانه من الحجر الجيري الأبيض ، كما كان للهرم معبدا عند سفح الهضبة يسمى معبد الوادى قريبا من الشاطئ الغربى لنهر النيل و قد عثر على بعض أجزاء هذا المعبد عند نهاية الطريق الصاعد للهرم الأكبر قريبا من قرية نزلة السمان .

و كان هناك طريق صاعد يربط المعبد الجنائزى فوق الهضبة بمعبد الوادى عند سفح الهضبة عرضه حوالى 25 مترا و طوله يزيد عن 1000 متر و كان يستعمل الكهنة ، و يؤرخ بأنه كان طريقا مسقوفاً مزيناً بالنقوش و الكتابات ، و لم يتبق من هذا الطريق إلا جزء صغير من أرضيته أمام هذا المعبد الجنائزي قريبا من الهرم ، و يؤرخ بعض المؤرخين أن هذا الطريق كان موجودا بالكامل عدا أرضيته حتى منتصف القرن الماضى ، و قد وصفه هيروديت بأنه لا يقل عظمة عن بناء الهرم الأكبر ، و أنه إستغرق 10 سنوات فى بنائه .

و كان للهرم سور ضخم يبنى من الطوب اللبن أو من الحجر الجيرى ليمنع غير الكهنة من دخول الهرم ، و لم يتبق منه غير أجزاء من أساساته ، و كان جانباه الشمالي و الغربي على مسافة 24 متراً من الهرم ، أما من الناحية الجنوبية فكانت على مسافة 18 متراً من الهرم ، و كان يحيط بالهرم رصيف من كتل الأحجار الجيرية لا تزال بعض أجزائه موجودة في الجهتين الشمالية والغربية من الهرم .

و قد بنى خوفو ثلاثة أهرامات صغيرة ( هرم لأم الملك خوفو و هرم لأولى زوجاته و هرم لزوجته الثالثة أم إبنه الملك خفرع ) فى نهاية يمين الطريق الصاعد إلى الهرم الأكبر من الناحية الشرقية من الهرم الأكبر ، و أكتشفت أساسات هرم صغير بين هذه الأهرامات الثلاثة و الهرم الأكبر ، كما بنى حول هرمه مقابر على شكل مصاطب لكبار أفراد اسرته و كبار موظفيه ، كما أكتشفت خمسة حفرات كبيرة حول الهرم الأكبر بداخل كل منها مركب مفككة و أعيد تجميعها مرة أخرى و تعرض بمتحف خاص قرب الهرم الأكبر و تعرف خطأ بمراكب الشمس .

ولا يكمن سر عظمة الهرم الأكبر فى تصميمه الهندسى الفريد ولا فى طريقة الإنشاء ولا فى طريقة القص الدقيق و النقل الحريص لأحجاره فقط ، و لكن تكمن عظمة الهرم الأكبر فى كل ما ينكشف من أسراره يوما بعد يوم و التى تذهل العلماء و المتخصصين ، فالهرم ليس مقبرة للملك ” خوفو ” كما يدعى البعض و لكنه لغزا محيرا لكل مفكر و مهندس و عالم و أثرى و متخصص و عاشق للتاريخ ، إنه بناء معجز بحق و تشير أركانه الأربعة بدقة متناهية إلى الجهات الأصلية الأربعة فى دقة هندسية معجزة ، فإرتفاعه يشير إلى المسافة بين الأرض و الشمس ، و الخط الفاصل عند مركزه يقسم قارات العالم لنصفين متساويين ، و ناتج قسمة محيط قاعدته على إرتفاعه يعطى الثابت الرياضى المعروف ” ط ”

– الهرم الأوسط / هرم خفرع :-

بناه الملك ” خفرع ” إبن الملك ” خوفو ” و ثالث ملوك الأسرة الرابعة ، و بناه على جزء مرتفع من الهضبة ، لذلك يظن كل من يشاهده من بعيد أنه أعلى من الهرم الأكبر ، رغم أنه أقل فى الحجم و الإرتفاع من الهرم الأكبر .

يبلغ ارتفاعه الحالى 136 متراً ( 143 مترا وقت بنائه ) ، و يقع مدخله فى الجهة الشمالية على ارتفاع نحو 11 متراً ، و منه يبدأ دهليز هابط يبلغ 32 متراً يسير بعدها فى خط أفقى ، ينتهى بغرفة ارتفاعها حوالى 7 أمتار و طولها 14 متراً، و عرضها حوالى 4 أمتار ، كان بها تابوت من حجر الجرانيت ، دُفن فيه الملك ، و كان له مدخل آخر أسفل واجهته البحرية يؤدى إلى غرفة نحتت فى الصخر لتكون غرفة الدفن الملك لكنها عدلت و ألغى هذا المدخل كما ألغيت هذه الغرفة عند تنفيذ الهرم و بنوا الغرفة الأخرى ، و لا يزال جزء علوى من الكسوة الخارجية لهذا الهرم موجودا عند قمته إلى الآن ، و هى من الحجر الجيرى بينما كانت فى الأسفل من الجرانيت .

و يوجد معبد الوادى بجوار أبو الهول ، بنيت جدرانه من الحجر الجيرى ، و المعبد يشبه المصطبة و ترتفع واجهته حوالى 13 مترا و تستقبل جهة الشرق و قد كسيت بالجرانيت ، و يوجد على جانبى الواجهة تماثيل للملك خفرع على هيئة ” أبو الهول ” ، و بالواجهة مدخلين يرمزان للوجهين القبلى و البحرى و المدخلان يوصلان إلى دهليز عرضى به بئر كان فيها عدة تماثيل للملك خفرع و لكنها نقلت للمتحف المصرى ، و يخرج من منتصف هذا الدهليز طريق يتصل برحبة مستطيلة أفقية تقوم فيها ستة أعمدة متصلة برحبة أخرى عمودية عليها بها عشرة أعمدة من الجرانيت ، و فى أحد طرفى الرحبة الأولى يوجد دهليز يوصل إلى ثلاث غرف صغيرة ذات طبقتين كانت تستعمل كمخازن للشموع و المشاعل و الزيوت و الأوانى المقدسة و ملابس الكهنة و غيرها من أدوات الاحتفالات المقدسة .

و فى الطرف الآخر غرفة بها سلم يصعد إلى سطح البناء ، و على الجانب الآخر غرفة يطلقون عليها غرفة البواب، وهى مبنية من المرمر فى جزئها العلوى ، و يمتد هذا الدهليز إلى خارج المعبد فيتصل بدهليز آخر يربط هذا المعبد بالمعبد الجنائزى العلوى ، وهذا الدهليز أو الطريق الصاعد مازالت آثاره باقية ، و كان طوله حوالى 1500 متر ، و هو يصل بين المعبد الجنائزى العلوى و معبد الوادى .

و يقع المعبد الجنائزى فى جهة الشرق من و قد تهدم معظمه ، و كان له باب دخول من الطريق الصاعد تبدا من بعده صالة أعمدة يليها بهو أعمدة كان به تماثيل للملك ” خفرع ” فى ملابسه الرسمية ، ثم بعدها تماثيل للملك ” خفرع ” فى ملابس الآخرة ، ثم يأتى بعدها قدس الأقداس حيث لا يدخل سوى الملك و كبار الكهنة حيث تقدم القرابين .

– الهرم الأصغر / هرم منقرع :-

هو أصغر الأهرامات الثلاثة ، بناه الملك ” منقرع ” إبن الملك خفرع و رابع ملوك الأسرة الرابعة ، و إرتفاع الآن حوالى 62 مترا ( كان 66 مترا وقت البناء ) ، و قد كسا جزء كبير من هرمه بالجرانيت و لكنه مات قبل أن يكمله .

يقع مدخل الهرم فى الجهة الشمالية على ارتفاع حوالى 4 من الأرض ، والذى يؤدى إلى دهليز هابط طوله حوالى 32 متراً ، يمر بغرفة ثم يعتدل بعدها فيصبح الدهليز أفقياً حتى يصل إلى غرفة تتصل بها غرفة أخرى وُجد بها تابوتا لحجريا الذى غرق أمام شواطئ أسبانيا أثناء نقله إلى لندن ، كما وجد بها بقايا تابوتا خشبيا منقوش عليه إسم الملك ” منقرع ” و يوجد التابوت الخشبى بالمتحف المصرى فى لندن .

و كان المعبد الجنائزى لهذا الهرم ضخما و رائع التصميم و الذى تم بناؤه بعد موت الملك ” منقرع ” ، كما كان للهرم معبد الوادى الذى بنى معظمه من الطوب اللبن و شيد فى عصر الملك ” شبسكاف ” ، و كان بينهما الطريق الصاعد كالهرمين السابقين له ، و قد وجدت بالهرم عدة تماثيل رائعة تعد من أعظم مجموعات تماثيل الدولة القديمة

أبو الهول

لا نستطيع أن ننهى عصر بناة الاهرام دون ذكر أعظم آثاره ، و أبو الهول إحدى عجائب الزمان و الاثر الفريد فى العالم

أطلق العرب على هذا التمثال إسم ” أبو الهول ” بمعنى أنه سيد الرعب و الفزع ، لكنه يعبر بالأكثر عن جلال الرهبة ،

أما الرومان فقد أطلقوا عليه كلمة “سفنكس” تشبها بكائن أسطورى لديهم ، له جسد أسد و رأس إمرأة ذات أجنحة ،

فإذا كان الأسد رمزا للقوة و إذا كانت رأس الإنسان رمزا للعقل ، فإن الذى صنع هذا التمثال قد أراد بهذا المزج الساحر أن ينشر حكمته بأن القوة و الحكمة قرينان لا ينفصمان فقوة بلا حكمة و عقل تكون وحشية و همجية ، و حكمة و فكر بلا قوة قد تصبح سخرية و إستهزاء ،

و من هذه الأرض أشرقت على العالم قوة الحكمة .

يرى فيه المصريون رمزا للخلود و للقوة و الشموخ ، و تعبيرا عن الإستقرار و الأمان لأنهم كانوا يعتبرونه الحارس الأمين للبلاد ،

و قد خاطبه أمير الشعراء قائلا :-

كــأَنّ الرّمــالَ عَــلَى جـانِبَيْـــــكَ و بيـن يَـدَيــكَ ذنـــــــوبُ البشَرْ
كـــأَنك فيهــا لــواءُ الفـضــاءِ عــلى الأَرضِ أَو دَيـــــدَبَـانُ القـدَرْ
كــأَنكَ صــاحبُ رمــلٍ يَــرى خَبايــا الغيــوبِ خِــلال السَّـــــــــطَرْ
أَبـا الهـول ، أَنـت نـديمُ الزما نِ ، نَجِــيُّ الأَوانِ ، سَــمِيرُ العُصُـرْ
بسَـــطْتَ ذراعيْـــكَ مـــن آدمٍ ، و ولَّيــتَ وجــهَكَ شَـــــطرَ الزُّمَـرْ

يجلس تمثال أبو الهول على الحافة الشرقية لهضبة الأهرام حيث يقدم القرابين بمخلبيه إلى الملك ” خوفو ” ، و هو تمثال حجرى ضخم طوله 72 مترا و إرتفاعه 22 مترا ، فالجسد جسد اسد و الرأس رأس إنسان و تشبه ملامحه ملامح وجه الملك ” خفرع ” ، و الجسد أكبر 22 مرة من حجم أسد طبيعى و الرأس أكبر 30 مرة من حجم إنسان طبيعى ، كانت الكسوة الخارجية للتمثال تحفة فنية رائعة و لكنها تآكلت و محيت تفاصيلها بفعل المطر و رطوبة الطقس فى الألفية الثالثة قبل الميلاد ، و كان له لحية مستعارة مثل الملوك الأقدمين ، و كان له أنف و كان على جبينه حية ، و جميعها سقطت و فقدت أيضا ، و يقال بأن أنفه كانت ضحية جنود العصر العثمانى الذين إتخذوا منها هدفا للتدريب على الرماية بمدافعهم ، و قد شيد أمامه معبد من الحجر الجيرى ينخفض عنه بحوالى 3 أمتار ، و قد عثر حوله على أكثر من 150 لوحة موجودة بالمتحف المصرى ، و التى تبين أن ملوك الأسرة الثامنة عشرة كانوا يزورنه و يهتمون بشأنه ، و أهمها لوحة الحلم .

ينسب بناء هذا التمثال الضخم إلى الملك ” خفرع ” فيؤرخ بأن صخرة ضخمة إعترضت الطريق الصاعد بين معبد الوادى و المعبد الجنائزى فأمر الملك ” خفرع ” بعمل هذا التمثال الضخم مكانها ، و قد مرت مصر بفترة من الفوضى بعد عصر الدولة القديمة أهمل فيها التمثال حتى دفن فى الرمال و لم يتبقي منه سوى الرأس ، و يؤرخ بأن تحتمس الرابع كان يوما ما فى رحلة صيد فشعر بالإرهاق و التعب فنام فى ظل رأس أبو الهول و راح فى سبات عميق ، و بينما هو فى سباته العميق فرأى فى منامه الإله ” حور ماخت ” الذى أمر بفك اسر التمثال من الرمال على أن يوليه عرش مصر و يكون ملكا على البلاد ، و لما إستيقظ تحتمس الرابع نفض الرمال عن التمثال و أصلح قدمه المكسورة ثم صبغ بألوان زاهية فى قمة الروعة و الجمال ، و إكتملت الرؤية و أصبح تحتمس الرابع ملكا على البلاد بعدها ، و خلد تحتمس هذه الرؤية على العمود التذكارى الذى يقف فى الدير الصغير القائم بين قدمى التمثال ، و لم يمر وقت طويل حتى غاب التمثال مرة أخرى تحت بحر من الرمال و لم يكشف عنه النقاب مرة ثالثة إلا سنة 1936م ، و عاد هذا العمل الرائع و تلك التحفة الفنية الفريدة بين اثار العالم أجمع للظهور شامخا فى مكانه رغم ما إعتراه من ظروف هددت وجوده فى العصر الحديث كإارتفاع منسوب المياه الجوفية حوله ، ليبقى ديدبان القدر و نديم الزمان و سمير العصر و كل العصور .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

قد يعجبك ايضا