
حروب عنيفة وقفازات من حرير
بقلم/هدي فيصل البكري
نختبئ خلف عباءات سوداء فضفاضة , نرتدي القفازات ,نبتعد عن أي شيء يحمل ألوانا وكأننا نتجنب الحياة , حتى أعيننا التي نرى بها وجهتنا نضطر لتغطيتها في الكثير من الأحيان لاعتقاد بأننا سوف ننجو , نردد الذكر كثيرا ونتأمل في قوة الله الخفية أن تحمينا وتجنبنا مساوئ الطرق , حين نعتزم الركوب في مواصلات عامة او نضطر للسير في شوارع مزدحمة ندعو الله كثيرا أن لا نتعرض للأذى ,وإن تعرضنا له نعلم جيدا بأننا لا نقوى على الحديث والشكوى فمؤكد اننا الضحية وأننا الجاني أيضا
لا يستطيع الرجال الحديث عن كل هذا فحين يكتب الرجال في تغطيتهم لأخبار الحروب والكوارث مثلا , فهم يتحدثون غالبا عن الاتفاقيات , خط سير المفاوضات , ومن المؤكد أيضا عن أعداد الضحايا معلنين عن ارقام جامدة لتتداولها بعد ذلك وسائل الاعلام في تناول بارد يشبه تماما طعم الخيبة
نحن – معشر النساء – لا ننظر للحروب كما ينظر لها الرجال ,لا نهتم بالتوازنات بين الدول وقد لا يشغل غالبيتنا العظمى مسار المفاوضات ولا من سيتولى الحكم ومن سيغادر ولا نهتم كثيرا بالقتالات السياسية وشغل المراكز , نحن لا نهتم حقيقة بمن سينحني للآخر .. لقد تركنا لكم التفكير في كل هذا
نحن نهتم بتلك الارواح التي لم يعد بإمكانها العودة للحياة, نفكر كثيرا بالجنين المجهض وقدره الذي لم يكتب له النجاة , في العابرين للحدود المشتتين على قوارب النجاة , نقف طويلا بين الطوابير المزدحمة لنحصل على سلة غذائية , والتي سرعان ما أن نستلمها ننهم بشراهة للبحث عن حليب الأطفال , نحن نفكر في الأبناء وكيف بإمكانهم العيش وسط كل هذا الركام
رأيت الكثيرات وقد عزفن عن الارتباط , قمن بتجميد أحلامهن تجاه البيت الدافئ والأسرة الصغيرة , حرمن انفسهن من مشاعر الأمومة فلم يعدن يرغبن بالإنجاب ولا يردن أن يتحملن مسئولية روح أخرى قد تتوه بين البندقيات , قد لا تخيفنا أصوات القذائف بقدر ما يؤلمنا صرخة ذلك الطفل الملقى بعيدا في زاوية مهمشة
حين يقعد الساسة ورجال الدولة على المقاعد الجامدة – الخالية من الحياة – ويغلقون أبوابهم , نحن نبحث عن أكثر أماكن الأرض حياة وأمانا لنحيا من جديد , لا يستطيع الرجال الحديث عن كل هذا .. لا يستطيع الرجال الحديث عن الاحشاء وكيف تموت فيها الأحلام ؟ فحين يحمل المجندون الأسلحة نحمل نحن الأحشاء الممتلئة والقلوب المنهكة والأحلام المتذبذبة , هم يعلمون جيدا أين يكمن الهدف وعلى أي زاوية احداثية سيصوبون , ولكننا لا نعلم في أي لحظة سننهار ولن نستطيع الاستمرار , لا نعلم في أيها لحظة قد نجن من زحام الأفكار والناجين والهالكين ..